الفصل الأول من رواية زيان بقلم صبرينة غلمي
الفصل الأول
عند وصول قرص الشمس
إلى وسط السماء وبداية تغير مساره إلى الغروب, كان ظله مرسوم على ضفة النهر وتعلم
منه أنه ذو طول لا بأس به وجسم رياضي محب لألعاب القوى. كان شارداً يتمنى تغيير
كوخه العتيق إلى بيت صغير وجميل وأمتلاك متجر والزواج وتكوين أسرة. كانت أحلامهُ بسيطة
لشاب في أول العقد الثالث ذو ملامح جادة بعض الشيء بشرتهُ برونزية من كثرة وقوفه
في الشمس يتمتع بعنين واسعتين سوداويتين. شعر قصير مجعد أسود كسواد السماء عندما
يغيب عنها القمر. بينما إبراهيم هائم في أحلامه وعيناه تجوبان النهر، إذ فجأة جحدت
عيني إبراهيم وكادتا أن تخرجا من مكانهما. من دون أن يفكر مرتين قفز في النهر وسبح
عدة أمتار ليمسك بجذع شجرة هائم في الماء وعلى ظهره فتاة في أوائل العشرينات
أمسكها إبراهيم وأخرجها ليضعها على ضفة النهر، وحمد ربه أنه كان منظما للكشافة
ومطلع على الإسعافات الأولية قام بعمل إنعاش قلب وضغط على البطن كي يخرج الماء من
رئتيها وبعدما أخرج الماء بدأت الفتاة تستوعب أين هي نظرت إلى إبراهيم نظرات رهبة
وخوف ليقابلها وجهه الذي لا يحمل أي ملامح. نظرت إلى ملابسها المبللة لتتذكر آخر
أمر قامت به وهو أقترابها من ضفة النهر لأنها كانت عطشة للغاية فتعثرت قدماها
وسقطت في النهر، ولسوء حظها أنها كانت وحيدة ولا تجيد السباحة حاولت كثيراً التمرد
على الماء والتشبت بأي شىء لكن قوة تيار النهر كانت تقذفها بعيداً إلا أن صادفها
جذع شجرة فتمسكت به وبعدها لم تعد تتذكر شيئا. أيقظها من أفكارها صوت رجولي صاخب:
هل أنت بخير يا فتاة؟؟
- أومأت له برأسها أنها بخير .
- فأكمل: هل آخذك إلى مكان ما؟؟
- فقالت بصوت خافت: أين أنا؟؟
- فأجابها أنت في
ألتوبا مدينة تابعة إلى هامبورغ .
- ماذا ماذا يا الله هل مشيت كل هذا؟؟
عقد إبراهيم ما بين
حاجبيه وقال: هل لي أن أعرف من أين أنت يا فتاة؟؟
-
أنا ... أنا من هامبورغ .
- يا إلهي، هل جئتي لزيارة أحد في هذه المدينة ووقعتي عن طريق
الخطأ في نهر أم ماذا؟؟
أخفضت رأسها وهي
تقول: شكرا جزيلا لأنك أخرجتني من الماء، قالت ذلك وهي تحاول جاهدة إنهاء الحديث .
رفع إبراهيم رأسه
ليجد أن المكان شبه خالي فقال وهو يهم بمغادرته: العفو, ولكن أتمنى أن تسرعي
بالمغادرة من هنا لأن المكان خالي .
تلفتت لتتأكد أن
المكان خال فعلاً, حاولت الوقوف لكنها أحست بدوار شديد لكن يد إبراهيم ألتقطتها
قبل سقوطها الذي عاد لكي يطمئن عليها لا يعرف ماذا أصابه ولكنه أحس أنه مسؤول عنها
وأنها لو ظلت وحدها يمكن أن تصاب بأي أذى, أول ما أحست بيد إبراهيم تعانق خصرها
حتى أنتفضت صارخة أبتعد عني إياك أن تلمسني.
دهش إبراهيم من ردت
فعلها لكنه رجح أنها أكيد خائفة فقال لتهدئتها: لا تخافي أنا فقط أريد مساعدتك
فأنا لا أريد أذيتك .
ظلت تنظر في عينيه لمدة
من الزمن لا تدري لم لأول مرة منذ خروجها من منزل والدها تحس بإحساس الإرتياح لشخص
غريب لم تعرفه إلا من بعض دقائق, فهو رغم أنه لا يعرفها ولا تهمه بشيء فقد قفز في
نهر وساعدها ومن يخاطر بنفسه لإنقاذ أحد لا يعرف يكون يملك حس بالمسؤولية وحسن
الخلق, هذا ما قالته لنفسها وهي تفسر إحساس الإرتياح ناحية هذا الشخص الغريب.
فقال بعد أن أحس من
أنفاسها إنها هدأت وكما أنه حافظ على هدوئه عندما لاحظ إنها تتفرس في ملامحه لكي
يزودها بإحساس الأمان: أ أوصلك لمكان ما؟
لا ليس لدي مكان
محدد .
ليس لك مكان محدد؟؟
قالها والصدمة بادية في صوته كما هي على ملامحه
.
أجل فأنا ولأيام
أبيت في الشارع .
الشارع؟؟
مالك يا رجل تعيد
كلامي كأنك لا تجيد لغة .
أسف لكن شكلك لا يدل
على أنك ممن يبيتون في الشارع.
ماذا تقصد؟؟
لا أقصد شيء سيء.
عموما الشمس بدأت بالمغيب ألا تريدين مني إيصالك إلى مكان أو شارع ما؟؟
لا يهم سأسير لأرى
أين ستأخذني قدماي .
ما أسمك أولا؟؟
أسمي زيان .
أسمك جميل يا فتاة،
أنا أدعى إبراهيم .
شكراً إبراهيم وأسمك
جميل أيضا فهو إسم نبينا عليه سلام .
أنت مسلمة أليس كذلك
؟؟
أجل ومن أهل السنة
أيضا.
هذا رائع إذا نحن
أخوات في الإسلام, ما رأيك أن تبيتي في كوخي؟؟ لأن شكلك متعب ويمكنك صباحاً أن
تقرري ما ستفعلِ بعد أخذ قسط من الراحة .
زيان ببعض التخوف
والتعجب كوخك !!
إبراهيم بأبتسامة
مريرة تستطيعي أعتباره شارع لكن له سقف، ولا تخافي أنا أعيش مع أختي ولتطمئني أكثر
سأبيت خارج الكوخ.
زيان بتشكك: ستبيت
خارج الكوخ أليس كذلك؟؟
فأجاب إبراهيم بكل
ثقة: لا تخافي يا فتاة فأنا كلمتي واحدة
.
زيان حسناً لكنني لن
أدخل الكوخ إلا أن أرى أختك.
إبراهيم بإبتسامة
مطمئنة: لك ذلك.
مشيا معاً على طريق
محايدة للنهر إلى أن وصل إلى كوخ جميل لكنه مهتري وقديم عند رؤيتك له لا تصدق أنه
مازال يقف ولم ينزل إلى الأرض. كان الكوخ من طابقين له باب في منتصف الطابق الأول
ويبدو أنه باب الدخول وبه أيضا نوافذ لكن واضح عليها القدم وأن الزمن قد رسم عليه
ملامحه بكل قوة وجبروت لكنهم رغم ذلك لازالوا صامدين ويظلل على الكوخ شجرتين
كبيرتيين ويبدو عليهم إنهم قد زرعوا منذ قرون قد ولت, ويحيط البيت أحواض من الزهور
الرائعة ويبدو من لمحة الانوثة التي ترتسم على أحواض الأزهازيدل على أن أمرأة هي
من تهتم بهم ويوجد البعض على نافذة واحدة فقط من البيت لذا خيل لزيان أن هذه النافذة
تابعة لمطبخ المنزل, ويبدو أن الجزء الخلفي من الكوخ الذي ليس ظاهراً لها كان يطل
على النهر الذي يحاديه.
تقدمت زيان من الكوخ
الذي أحست في البداية برهبة منه, لكن بعدما رأت كل تفاصيله من الخارج وما يحيطه
أحست بالدفئ والأرتياح, لكنها توقفت عند باب المنزل ليدرك إبراهيم خوفها فيفتح
الباب المنزل ويدخل إليه وهو ينادي على سهاد, مع تقدم إبراهيم رأت زيان بعض من
أثاث القديم والبسيط فقد كان ذو طابع كلاسيكي رقيق يدل على أنه كان مكان للأثرياء
في عهد ولى .
هل أتيت يا إبراهيم
؟؟
صدر هذا صوت الرقيق
من مكان ما في كوخ لتظهر أجمل فتاة سمراء يمكن أن تراها عيناك, شعر طويل مميز
بكثافتهُ ولونهُ ذهبي مبهر, عينان بلون البحر الهادئ, من يراها يتراء له إنها رسمت
بيد فنان, أنف رفيع يدل على أنها كانت من طبقة برجوازية سابقة, وجنتين مليئتين,
وشفتين رفعتين لكن بلون الكرز الرائع.
قال إبراهيم وهو
يقبلها: أقدم لكي زيان ضيفتنا الليلة .
سهاد: أهلا بكِ في
منزلنا .
زيان: شكراً لكم,
ولإستضافتكم.
سهاد: العفو يا زيان
المنزل منزلك، لم أقدم لك نفسي بعد أنا شقيقة إبراهيم الصغرى أدعى سهاد .
أبتسمت زيان وقالت:
تشرفنا، لا تعرف لما أنتابها شعور بالراحة والسلام عندما تأكدت أن إبراهيم لم يكذب
حتى الساعة في أي حرف مما قال .
سهاد: مؤكد أنكما
جائعان بضع دقائق وأحضر طاولة الطعام .
قال إبراهيم: سهاد
حضري حمام دافئ لزيان وملابس من ملابسك قبل الأكل
.
ظهر الإرتباك جلياً
على سهاد ووجنتها تحمران خجلاً وهي تقول: أوف أسفة حبيبتي لقد أرتبكت لأن زوارنا
قليلون جداً .
زيان: لا داعي للأسف
أنا أسفة لأني سأتعبك .
وفجأة كأن سهاد قد
إنتبهت وقالت: ما بك مبتلة زيان ماذا حدث معكِ حبيبتي؟؟
ليجيب إبراهيم عنها:
يبدو أنها وقعت في نهر لأنني قد أخرجتها منه وهي مغمى عليها فوق غصن في النهر.
سهاد بصراخ: يا إلهي
أنت إيضا ملابسك مبتلة كيف لم ألحظ هذا منذ دخولكم هيا بسرعة لتغيير ملابسكم لكي
لا تمرض.
إبراهيم: حسناً
حسناً إهدئي يبدو أن أرتباكك منعك من الملاحظة, سأذهب للتغير والإستحمام وأنتِ
إعتني بزيان .
سهاد: حسناً وسأحضر
لكم شيء ساخن بعد الأكل.
ما إن غادر إبراهيم
حتي قالت زيان بخفوت: أسف لتعبك أنتِ وأخيك.
سهاد: تعب ماذا أنا
فرحة لأني أخيراً سأجد من أثرثر معه . أبتسمت زيان لسهاد التي تقدمت معها لتريها
الحمام وأرتها الغرفة المجاورة للحمام وهي غرفة الضيوف وقالت لها إنها عند
أنتهائها من الإستحمام ستجد الثياب في هذه الغرفة وأن توافيهم إلى مطبخ بعد
الأنتهاء من الإستحمام ....أومأت زيان برأسها بالموافقة ودخلت للحمام الذي كان رغم
بساطته لكنه نظيف ومنظم وتجد ما تحتاجه دون العناء.
أبتسمت زيان بمرارة
لا تعرف لماذا تذكرت والدتها وأهتمامها المبالغ فيه بالمنزل وشجارهما المعتاد عن
هذا الأمر .
تعليقات
إرسال تعليق